يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لَبَّيْكَ، ربنا وسَعْدَيْك، والخيرُ في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ يا رَبِّ! وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا مِنْ خلقِك. فيقول: ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك؟ فيقولون: يا ربِّ! وأيُّ شيء أفضلُ من ذلكَ؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رِضواني، فلا أسخَطُ عليكم بعدهُ أبدًا] (١).
وقوله تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: لا يسمع أهل الجنة حسيسَ النار إذا نزلوا منزلهم من الجنة. قال: وهم فيما تشتهيه نفوسهم من نعيمها ولذاتها ماكثون فيها، لا يخافون زوالًا عنها، ولا انتقالًا عنها).
قال ابن جرير: (ويعني بالحسيس: الصوت والحس).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال: [قال الله عزَّ وجل: أَعْدَدْتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَرٍ] (٢).
زاد في رواية: (ذُخْرًا، بَلْهَ (٣) ما أطلعكم الله عليه).
ومصداق ذلكَ قول الله تعالى في كتابه: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧].
وقوله: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾. قال ابن عباس: (يعني النفخة الآخرة).
وقال سعيد بن جبير: (النارُ إذا أطبقت على أهلها). وقال الحسن: (انصراف العبد حين يؤمر به إلى النار). وقيل: الموت، وقيل غير ذلك.
قلت، وفي التنزيل: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾. فيكون الفزع للحشر وأهواله، فأهل الإيمان يأمنون ذلك الفزع يومئذ بفضل رحمة الله بهم.
وقوله: ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
أي: وتستقبلهم الملائكةُ يهنئونهم ويبشرونهم قائلين لهم: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٢٤) - كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها.
(٣) بَلْهَ: بمعنى دع أو سوى، أي سوى ما ذكر في القرآن. والتقدير: دع ما أُطْلعتم عليه فإنه يسيرٌ في جنب ما ادُّخِرَ لهم.