بَعْدك. فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿شَهِيدًا﴾ فيقال: إنَّ هؤلاء لمْ يزالوا مُرْتَدين على أعقابهم مُنْذُ فارقتهم] (١).
وقوله: ﴿وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾. أي: ذلك واجب الوقوع، فهو من جُملة وعد الله الذي لا يُخلف ولا ويُبَدَّل ولا بد من وقوعه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
قال مجاهد: (﴿الزَّبُورِ﴾ الكتاب ﴿مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ قال: أم الكتاب عند الله). وقال سعيد: (كتبنا في القرآن من بعد التوراة).
قال القاسمي: (﴿الصَّالِحُونَ﴾: أي العاملون بطاعته. المنتهون إلى أمره ونهيه. دون العاملين منهم بمعصيته، المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته. و ﴿الزَّبُورِ﴾ علم على كتاب داود عليه السلام، ويقال: المراد بهِ كل كتاب منزل. والذكر - قالوا - التوراة أو أم الكتاب. يعني اللوح الذي كتبَ فيه كل شيء قبل الخلق، واللهُ أعلم).
قلت: والآية تحمل البشرى للمؤمنين الصابرين على إقامة منهج الله تعالى بملك الدنيا وسياستها وعز الآخرة.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾. قال ابن عباس: (يقول: عاملين). وقال كعب: (لأمة محمد).
قال ابن كثير: (أي: إن في هذا القرآن الذي أنزلناهُ على عبدنا محمد - ﷺ - لبلاغًا: لَمَنْفَعة وكفايةً لقوم عابدين، وهم الذين عبدوا الله بما شَرَعَه وأحبَّهُ ورَضِيَه، وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان وشَهَوات أنفسهم).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. أي: رحمة مهداة من الله لجميع خلقه.
قال النسفي: (لأنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه، ومن لم يتبع فإنما أتي من عند نفسه حيث ضيّع نصيبه منها. وقيل: هو رحمة للمؤمنين في الدارين وللكافرين في الدنيا