إلى الجنة". فَكَبُرَ ذلك على المسلمين، فقال النبي - ﷺ -: "سَدِّدُوا وقارِبوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشَّامَة في جنب البعير أو كالرَّقْمة في ذراع الحمار وإن معكم خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثّرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الجن والإنس"] (١).
وعن ابن زيد: (﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ قال: تترك ولدها للكرب الذي نزل بها). وقال الحسن: (ذهلت عن أولادها بغير فطام). والمقصود: شدة الهول يوم الحشر ومتاعب النفوس القادمة على الحساب.
وعن الحسن: ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾، يقول: وتسقط كل حامل من شدّة كرب ذلك حملها). قال: (﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾ من الخوف ﴿وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ من الشراب).
وعن ابن جريج: (﴿وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ قال: ما هم بسكارى من الشراب ﴿وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾).
وعن ابن وهب قال: (قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ قال: ما شربوا خمرًا ﴿وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ يقول تعالى ذكره: ولكنهم صاروا سكارى من خوف عذاب الله عند معاينتهم ما عاينوا من كرب ذلك وعظيم هوله، مع علمهم بشدّة عذاب الله).
والمقصود: أن الناس يصيرون يومئذ في دهشة في عقولهم، فتغيب أذهانهم من شدة الهول حتى يحسبهم من ينظر إليهم أنهم سكارى وما هم كذلك على الحقيقة.
٣ - ٤. قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)﴾.
في هذه الآيات: ذمُّ الله تعالى مُكَذّبي البعث والنشور، ومنكري قدرة الله تعالى على إحياء مَنْ في القبور، وَهُمْ بذلك مُتَّبعون كل شيطان مريد من أهل الجن أو الإنس

(١) حديث حسن. أخرجه أبو يعلى (٣١٢٢)، وصححه ابن حبان (٧٣٥٤)، والحاكم (١/ ٢٩)، (٤/ ٥٦٦) ووافقه الذهبي، وإسناده على شرطهما، وهو متصل الإسناد، وتقدم شاهداه.


الصفحة التالية
Icon