فيرعاه ليصبح شابًّا يمدُّه بالهمة والقوة، ثم قد يُقبضُ في حالة الشباب، وقد يُمَدّ له في العمر إلى الشيخوخة والهرم، وظهور علامات العجز وضعف العقل والفهم، وكذلك الأرض تتحرك بالنبات بنزول المطر عليها، وتخرج الأصناف من الثمار والزروع. كل ذلك بسبب أن الله هو الحق وحده المحي والمميت، فهو الذي يبعث من في القبور ليوم الحشر والحساب.
فقوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾.
ردٌّ على المنكرين للبعث والمعاد، بذكره سبحانه إحاطته بأحوال العباد، فهو خلقهم أول مرة من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾. قال قتادة: (تامة وغير تامة). وقال مجاهد: (السِّقط مخلوق وغير مخلوق).
قال النسفي: (يعني إن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم وقد كنتم في الابتداء ترابًا وماء، وليس سبب إنكاركم البعث إلا هذا وهو صيرورة الخلق ترابًا وماء ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ﴾ أي أباكم ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾ خلقتم ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ أي قطعة دم جامدة ﴿ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ﴾ أي لحمة صغيرة قدر ما يمضغ ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ المخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب، كأن الله عز وجل يخلق المضغة متفاوتة منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم، وإنما نقلناكم من حال إلى حال ومن خلقة إلى خلقة ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ بهذا التدريج كمال قدرتنا وحكمتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولًا ثم من نطفة ثانيًا ولا مناسبة بين التراب والماء، وقدر أن يجعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة عظامًا قادر على إعادة ما بدأه).
وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: [حَدَّثنا رسول الله - ﷺ - وهو الصادق المصدوق- قال: إنّ أحدكم يجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكًا، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح] (١).