يصبني في ديني هذا منذ دخلته إلا خير ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ يقول: وإن ذهب ماله، وذهبت ماشيته ﴿انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾).
وعن ابن زيد قال: (هذا المنافق، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه، وتغيّرت انقلب، ولا يقيم على العبادة إلا لما صَلَحَ من دنياه. وإذا أصابته شدّة أو فتنة، أو اختبار أو ضيق، ترك دينه ورجع إلى الكفر).
وفي صحيح البخاري -عند تفسير هذه الآية- عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ قال: كان الرَّجُلُ يَقْدَمُ المدينة، فَيُسْلِمُ، فإنْ ولَدَتِ امرأتُهُ غُلامًا وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قال: هذا دينٌ صالحٌ، وإنْ لمْ تَلِدِ امْرأتُهُ ولمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قال: هذا دينُ سُوءٍ] (١).
وقوله: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾. أي: ما أصاب من الدنيا ولا سَعِدَ في الآخرة، فالكفرُ بالله ونعمه يورث الشقاء والإهانة في الدار الآخرة.
قال القرطبي: (وخسرانه الدنيا بأن لا حظّ له في غنيمة ولا ثناء، والآخرة بأن لا ثواب له فيها).
وقال النسفي: (والخسران في الدنيا بالقتل فيها، وفي الآخرة بالخلود في النار).
وقوله: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾. أي: هذا الخسران في الدارين، هو أبلغ الخسارة وأظهرها. قال القاسمي: (أي الواضح الذي لا يخفى على ذي بصيرة).
وقوله: ﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾. قال ابن زيد: (يكفر بعد إيمانه).
وقال أبو السعود: (﴿يَدْعُو﴾: استئناف مبين لعظيم الخسران). والمقصود: أنه يستنصر الأوثان والأنداد ويسترزقها ويستغيث بها وهي لا تنفعه ولا تضره، بل سيكون هذا التوجّه الفاسد سبب خسارته في الدنيا وشقائه في الآخرة.
وقوله: ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾. أي: ذلك المنهج هو منهج الشقاء الأبعد عن الاستقامة.
قال ابن جرير: (يقول: ارتداده ذلك داعيًا من دون الله هذه الآلهة هو الأخذ على غير استقامة، والذهاب عن دين الله ذهابًا بعيدًا).