وقوله: ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾. قال ابن كثير: (أي: ضَرَرُه في الدنيا قبل الآخرة أقربُ من نفعه فيها، وأما في الآخرة فَضَرَرُهُ محقَّقٌ متيقّنٌ).
وقوله: ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾. قال مجاهد: (يعني الوثن).
وقال ابن زيد: (العشير: هو المعاشر الصاحب، وقد قيل: عني بالمولى في هذا الموضع: الوليّ الناصر).
قلت: وعموم الآية يشمل كل ما عبد من دون الله وصرفت له العبادة والتعظيم، من الأوثان وطواغيت الإنس والجن، فإنه بئس المولى: أي الناصر الصاحب، وبئس العشير: أي المعاشر المصاحب.
١٤. قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (١٤)﴾.
في هذه الآية: عَطْفٌ على ذكر أهل الشقاوة، بذكر أهل النجاة والسعادة، فإن أهل الإيمان والعمل الصالح سيرثون جنان النعيم، تجري من تحتها الأنهار في سرور مقيم، فإنه تعالى هدى هؤلاء وأشقى أولئك: بعلمه وحكمته وكمال عدله، فهو سبحانه أعلم بالشاكرين، وهو تعالى يفعل ما يريد.
أخرج ابن أبي عاصم في "السّنة"، بسند صحيح عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال: [قلت يا رسول الله: أرأيت عملنا هذا على أمر قد فرغ منه أم على أمر نستقبله؟ فقال رسول الله - ﷺ -: بل على أمر قد فرغ منه. قال عمر: ففيم العمل؟ فقال رسول الله - ﷺ -: كلا، لا يُنال إلا بعمل. فقال عمر: إذن نجتهد] (١).
وكذلك روى الآجري، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، عن هشام بن حكيم: [أن رجلًا أتى رسول الله - ﷺ - فقال: يا رسول الله: أنبتدئ الأعمال أم قد قُضِيَ القضاء؟ فقال: إنَّ الله تعالى أخذ ذرية آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه، فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل

(١) رجاله ثقات. أخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة" (١٦١). قال الألباني: حديث صحيح. ورجال إسناده ثقات. انظر "تخريج كتاب السنة" ص (٧١).


الصفحة التالية
Icon