الناس بالحج إليه من جميع الأقطار. ليجمعوا أثناء حجهم من المنافع الأخروية والدنيوية ويشكروا الله على كتابتهم في الحجاج والعُمّار.
فقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾. قال النسفي: (أي يمنعون عن الدخول في الإسلام). وقال ابن كثير: (﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، أي: ومن صفتهم مع كُفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام، أي: ويصدون عن المسجد الحرام مَنْ أراده من المؤمنين الذين هم أحقُّ الناس به في نفس الأمر).
فقوله: ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ حال من فاعل كفروا، والتقدير: وهم يصدون، أي هي صفة استمرار منهم، فقد جمعوا بين الكفر والصد عن سبيل الله والمسجد الحرام، احتكارًا وكبرًا وعلوًا في الأرض بالظلم والإفساد.
وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾. أي: جعله الله للصلاة والطواف والعبادة لجميع الناس حاضرهم وباديهم. والعاكف: المقيم الملازم. والبادي: أهل البادية ومَنْ يقدُم عليهم.
قال القرطبي: (يقول: سواء في تعظيم حرمته وقضاء النّسك فيه الحاضرُ والذي يأتيه من البلاد، فليس أهل مكة أحقّ من النازح إليه).
فائدة: دور مكة توهب وتورث وتباع وتملك بخلاف الأرض.
وهذا مأخوذ من فعله - ﷺ - يوم الفتح إذ لم يقسم أراضي مكة بين الغانمين.
وذهب الإمام أحمد إلى أن الإمام مخيَّرٌ بين وقفها وقسمتها، وبنحوه ذهب أبو حنيفة. ولكن هناك فرق بين الأرض وبين الدور، فأرض مكة وقف من الله على العالمين فهي أرض لا تقسم كسائر القرى المفتوحة، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ الآية.
قال ابن القيم: (وأما مكة، فإن فيها شيئًا آخر يمنع من قسمتها ولو وجبت قسمة ما عداها من القرى، وهي أنها لا تُملك، فإنها دارُ النسك، ومتعبَّدُ الخلق، وحرَمُ الرب تعالى الذي جعله للناس سواء العاكِفُ فيه والباد، فهي وقف من الله على العالمين) (١).