وقال في موضع آخر: (فإن الأرض ليست داخلةً في الغنائم التي أمر الله بتخميسها وقسمتها، ولهذا قال عمر: إنها غيرُ المال). ثم قال: (فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين، وأن الدور تُملكُ، وتوهبُ، وتورثُ وتُباع، ويكون نقلُ الملك في البناء لا في الأرض والعرصة، فلو زال بناؤه، لم يكن له أن يبيع الأرض، وله أن يبنيها ويُعيدها كما كانت، وهو أحق بها يَسْكنُها ويُسْكِنُ فيها من شاء) (١).
وإليه ذهب الشافعي رحمه الله: إلى أن رِباع مكة تملك وتورَّث وتؤجَّر، واحتج بما روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: [قلت يا رسول الله، أتنزل غدًا في دارك بمكة؟ فقال: وهل ترك لنا عَقيلٌ من رِباع؟ وفي رواية: (يا رسول الله أين نَنْزِلُ غدًا؟ قال النبي - ﷺ -: "وهل تركَ لنا عقيلٌ من مَنْزِلٍ؟ "). ثم قال: لا يرث المؤمن الكافر، ولا الكافر المؤمن"] (٢).
وكذلك احتجّ بما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارًا بمكة، فجعلها سِجْنًا بأربعة آلاف درهم، وهو أول من حبس في السجن في الإسلام.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
قال ابن عباس: (يعني أن تستحل من الحرام ما حرّم الله عليك من لسان أو قتل، فتظلم من لا يظلمك، وتقتل من لا يقتلك، فإذا فعل ذلك فقد وجب له عذاب أليم).
وعن ابن عباس أيضًا: (﴿بِظُلْمٍ﴾ بشرك). وقال مجاهد: (هو أن يعبد فيه غير الله).
وكذلك عن مجاهد: (﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ قال: يعمل فيه عملًا سيئًا).
وقال ابن زيد: (الإلحاد: الظلم في الحرم).
والخلاصة: إنَّ مَنْ يَهُمُّ في الحرم بأمرٍ فظيع من الشرك أو المعاصي الكبار عامدًا قاصدًا الظلم غير متأول فقد وجب له عذاب أليم.
وذهب بعض علماء العربية أن الباء في قوله تعالى: ﴿بِإِلْحَادٍ﴾ زائدة، والتقدير: ومن يرد فيه إلحادًا. ومثله قوله تعالى: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠]، والتقدير: تُنْبِتُ الدُّهن.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٢٨٢) - (٤٢٨٣)، كتاب المغازي، ورواه مسلم (١٣٥١)، وأبو داود (٢٩١٠)، وابن ماجة (٢٧٣٠)، وأحمد (٥/ ٢٠١)، والبيهقي (٦/ ٣٤)، وغيرهم.