وفي مسند الإمام أحمد بإسناد على شرط الشيخين عن سعيد بن عمرو قال: [أتى عبد الله بن عمرو بن الزبير: وهو جالس في الحِجر فقال: يا ابن الزُّبير، إياكَ والإلحادَ في الحَرَم، فإني أشهد لسمعتُ رسول الله - ﷺ - يقول: يُحِلُّها ويُحلُّ به رجُلٌ من قريش، لو وُزِنَتْ ذنوبُه بذنوب الثقلين لوزَنَتْها. قال: فانظر لا تكون هو] (١).
وفي رواية: [يا ابن الزبير، إياكَ والإلحادَ في حرم الله، فإني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: إنه سَيُلحِدُ فيه رجلٌ من قُرَيش، لو توزنُ ذنوبُه بذنوب الثقلين لَرَجَحَتْ، فانظر لا تكونُه] (٢).
وقوله: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ - أي عيَّنا له موضعه وأريناه أصله ليبنيه.
قال ابن جرير: (بوأنا: وطأنا له مكان البيت). وقال النسفي: (واذكر يا محمد حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة أي مرجعًا يرجع إليه للعمارة والعبادة، وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على أساسه القديم) - وبنحوه ذكر القرطبي.
قلت: والذي ذكره القرطبي والنسفي له ما يشهد له من حديث أبي قلابة -كما ذكر الذهبي- قال: (لما أهبط الله تعالى آدم قال: "يا آدم إني مهبط معك بيتًا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي". فلم يزل كذلك حتى كان الطوفان رفع، فكانت الأنبياء تحجه، يأتونه فلا يعرفون موضعه، حتى بوأه الله تعالى لإبراهيم عليه السلام). قال الذهبي: (وهو ثابت عن أبي قلابة، وأين مثل أبي قلابة في الفضل والجلالة؟ هرب من تولية القضاء من العراق إلى الشام) (٣).
وفي التنزيل ما يؤيد ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٩٦ - ٩٧].

(١) إسناده على شرطهما. أخرجه أحمد (٢/ ١٩٦ - ٢١٩)، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٢٨٤ - ٢٨٥).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ١٣٦)، وذكره الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٢٨٥) وقال: رجاله ثقات. وكون الحجاج هو المراد بالحديث أقرب من كونه ابن الزبير، فالحجاج لم يقتصر على رمي الكعبة بالمنجنيق، بل قتل الآلاف من المسلمين، فجزاه الله بما كسبت يداه.
(٣) انظر: مختصر العلو (١٢٩)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (١/ ١٨٩) - الأثر (٥).


الصفحة التالية
Icon