الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠)}.
في هذه الآياتِ: استنصارُ نوح - ﷺ - بالله من تكذيب قومه المجرمين، وَوَحْيُ الله تعالى إليه بصناعة السفينة وإدخال فيها من كل زوجين وأهله المؤمنين، وحمدُ الله عند ركوبها على النجاة من القوم الظالمين، ودعائه تعالى عند النزول منها اختيار خير المنازل لعباده الصالحين.
فقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾.
فيه إعلام بانسداد الطريق بين نوح عليه الصلاة والسلام وقومه الذين أصروا على التكذيب والعناد، وعدم الانتفاع بأي بلاغ. فهنالك استنصر نوح ربَّه عليهم كما قال تعالى في سورة القمر: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾.
وقوله: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾. هو جواب الله تعالى دعاء نوح - ﷺ -، فأمره بصنع السفينة وإحكامها وإتقانها.
وفي سورة هود: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾. قال ابن عباس: (بعين الله). وقال قتادة: (بعين الله ووحيه). وقال ابن جرير - في آية القمر المشابهة -: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾: (تجري السفينة التي حملنا نوحُا فيها بمرأى منا ومنظر).
قلت: فلفظ "العين" في التنزيل يفيد الصفة التي لابد من إثباتها لله عز وجل، وقد يفيد العناية والرعاية - كما هو هنا - وقد يفيد الأمرين معًا، والله تعالى أعلم.
وقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾.
قال القاسمي: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ أي عذابنا ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ كناية عن الشدة. كقولهم "حمي الوطيس". و ﴿التَّنُوْرُ﴾ كانون الخبز حقيقة. وأطلقه بعضهم على وجه الأرض ومنبع الماء، للآية مجازًا ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا﴾ أي فأدخل في الفلك ﴿مِنْ كُلٍّ﴾ أي من كل أمة ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾).
قال ابن كثير: (أمره تعالى بصَنْعة السفينة وإحكامها وإتقانها، وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، أي: ذكرًا وأَنثى من كُلِّ صِنْفٍ من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك، وأن يحمل فيها أهله ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾، أي: من سبقَ فيه القولُ


الصفحة التالية
Icon