وحين، والتشكيك في أمر المعاد والبعث من القبور والقيام لرب العالمين، واستنصار كل رسول بالله العظيم، لينزل العذاب فيحيط بالقوم الظالمين.
فقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.
أي: ثم أوجدنا من بعد مهلك قوم نوح قومًا آخرين. قيل المراد عاد، وقيل ثمود وهو الراجح لذكر مهلكهم في آخر الآياتِ بالصيحة، والله أعلم.
وقوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾.
أي: فبعث الله فيهم رسولًا من بينهم يحذرهم مغبة الشرك وعبادة الأوثان، ويحثهم على إفراد الله تعالى بالعبادة والتعظيم، وينذرهم بأسه تعالى وبطشه إن أصروا على الكفر وما هم عليه من الانحراف والجحود.
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وقالت الأشراف من قوم الرسول الذي أرسلنا بعد نوح، وعنى بالرسول في هذا الموضع: صالحًا، وبقومه: ثمود ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾ يقول: الذين جحدوا توحيد الله، وكذّبوا بلقاء الآخرة: يعني كذبوا بلقاء الله في الآخرة. وقوله: ﴿وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يقول: ونعَّمناهم في حياتهم الدنيا، بما وسَّعنا عليهم من المعاش، وبسطنا لهم من الرزق، حتى بطروا وعَتَوا على ربهم، وكفروا. قال: وقوله: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يقول: قالوا: بعث الله صالحًا إلينا رسولًا من بيننا وخصه بالرسالة دوننا وهو إنسان مثلنا يأكل مما نأكل منه من الطعام ويشرب مما نشرب، وكيف لم يرسل ملكًا من عنده يبلغنا رسالته).
قال ابن كثير: (فكذبوه وخالفوه، وأبوا من اتباعه لكونِه بشرًا مثلهم، واستنكفوا عن اتباع رسول بشري، فكذّبوا بلقاء الله في القيامة، وأنكروا المعاد الجُثماني، وقالوا: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾ أي بعيد بعيد ذلك).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.
كقول كفار مكة: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤].