وكقيلهم وهم يقسمون كذبًا - كما حكى الله عنهم في سورة النحل -: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٣٨]. مما يدل أن منهج الكفر واحد منذ القرون الأولى إلى قيام الساعة.
وقوله تعالى: (﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾
قال النسفي: (أي ما هو إلا مفتر على الله فيما يدعيه من استنبائه وفيما يعدنا من البعث، ﴿وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾ بمصدقين).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾. أي: استفتح الرسول وطلب النصر من الله على قوم أصروا على كفرهم وتكذيبهم.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾.
إجابةُ الله دعوة رسوله بأن الندم سيحيط بهم مصبحين نتيجة استهزائهم بالوحي والنبوة.
وقوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ﴾.
أي: وقع بهم انتقام الله تعالى باستحقاقهم العقاب منه بكفرهم وتماديهم.
وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً﴾. اي صيرناهم كالغثاء لا قيمة له. والغثاء ما ارتفع على السيل ونحوه. قال ابن عباس: (جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر).
وقال مجاهد: (كالرميم الهامد، الذي يحتمل السيل).
قال النسفي: (شبههم في دمارهم بالغثاء، وهو حميل السيل ما بلي واسودّ من الورق والعيدان).
وقوله: ﴿فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾. أي: هلاكًا لهم. أو بُعْدًا لهم من رحمة الله. والفاء عاطفة، و ﴿بُعْدًا﴾ مفعول مطلق لفعل محذوف والتقدير: ابعدوا بعدًا.
أي: أبعد الله القوم الظالمين بإهلاكهم إذ أصروا على الكفر بربهم وتكذيب رسله ووحيه.
٤٢ - ٤٤. قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا