ومن كنوز السنة العطرة:
أخرج الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن أنس: [أن النبي - ﷺ - دخل على شاب وهو بالموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله - ﷺ -: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف] (١).
٦٢ - ٦٧. قوله تعالى: ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (٦٧)﴾.
في هذه الآياتِ: التكاليف الشرعية متحملة، وكتاب الأعمال دقيق ينطق بصغائر الأعمال وكبارها، والقوم في غفلة عن مصيرهم، وإنما يستجيرون ويستغيثون عند نزول الهلاك بهم.
فقوله: ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾
فيه دليل أن التكاليف الشرعية هي في حدود سعة الإنسان، وأن الشرائع التي أمر الله بها يطيق العبد حملها والقيام بها.
ذكر الشاطبي في "الموافقات": (أن المشقة الشرعية لا يجوز دفعها لأنَّها دفع للتكليف). واستدل بقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠].
وذلك بعد قوله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)﴾ [العنكبوت: ٢].

(١) إسناده حسن. أخرجه الترمذي (٩٩٤)، وابن ماجة (٤٢٦١). وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص ٢٤)، وانظر صحيح سنن الترمذي (٧٨٣)، وصحيح ابن ماجة (٣٤٣٦).


الصفحة التالية
Icon