وبيّن أن المشقة قد تبلغ من الأعمال العادية ما يظن أنه غير معتاد، ولكنه في الحقيقة معتاد.
وقوله: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
قال ابن كثير: (يعني: كتاب الأعمال، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، أي: لا يبخسون من الخير شيئًا، وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين).
وقوله: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾. قال مجاهد: في عمى من هذا القرآن).
قال ابن جرير: (وعنى بالغمرة: ما غمر قلوبهم، فغطاها عن فهم ما أودع الله كتابه من المواعظ والعبر والحجج).
وقوله: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾.
قال ابن عباس: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ﴾، أي: سيئة ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ يعني الشرك ﴿هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾، قال: لابُدَّ أن يعملوها) (١). وقال مجاهد: (الخطايا).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾. قال ابن عباس: (يستغيثون). قال ابن زيد: (المترفون: العظماء. ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ يقول: فإذا أخذناهم به جأروا، يقول: ضجّوا واستغاثوا مما حلّ بهم من عذابنا).
والجؤارُ: رفع الصوت، كما يجأر الثور، والخطاب لأهل مكة وما حلّ بطغاتهم يوم بدر، وهو حال الأمم التي ينزل بها سخط الله وعذابه على مدار الزمان.
وقوله تعالى: ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ﴾.
أي: سواء جأرتم أم لم تجأروا، فقد حَل بكم سخط الله ونزل العذاب ولا طريقة لرفعه. قال الربيع بن أنس: (﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ﴾ لا تجزعوا الآن حين نزل بكم العذاب، إنه لا ينفعكم، فلو كان هذا الجزع قبلُ نفعكم).

(١) وقيل: لابد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة، فقد حقت عليهم كلمة العذاب، وسبق في علم الله أنهم أشقياء أهل سوء خاتمة. وفي الصحيحين والمسند عن ابن مسعود، قال رسول الله - ﷺ -: [فوالذي لا إله غيره، إن الرجلَ ليعمل بعمل أهل الجَنَّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذِراع، فَيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخُلها]. رواه البخاري في صحيحه (٦٥٩٤)، ومسلم (٢٦٤٣)، وأحمد في مسنده (١/ ٣٨٢).


الصفحة التالية
Icon