وقوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: تدبرون). وقال مجاهد: (تستأخرون).
قلت: والخطاب لأهل مكة لما عُرض عليهم الحق وهذا الوحي العظيم، فاستكبروا وطغوا وعاندوا. فوصفهم الله سبحانه بقوله: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾. قال ابن عباس: (يقول: مستكبرين بحرم البيت أنه لا يظهر علينا فيه أحد). وقال مجاهد: (﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ قال: بمكة بالبلد). وقال الحسن: (مستكبرين بحرمي). وقال قتادة: (مستكبرين بالحرم).
ثم وصفهم سبحانه بقوله: ﴿سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾. وأصل المر والمسامرة في لغة العرب: الحديث بالليل.
ومنه قولهم: سَمَرَ يَسْمُرُ فهو سامِرٌ. قال الرازي: (السُّمار: وهم القوم يَسْمُرون).
قال ابن عباس: (قوله: ﴿سَامِرًا﴾ يقول: يَسْمرون حول البيت).
وقال مجاهد: (سامرًا: مجلسًا بالليل). وقال ابن زيد: (كانوا يَسْمرون ليلتهم ويلعبون: يتكلمون بالشعر والكهانة وبما لا يدرون).
قال ابن جرير: (يقول: تَسْمرون بالليل، ووحّد قوله: ﴿سَامِرًا﴾ وهو بمعنى السُّمَّار، لأنه وضع موضع الوقت. ومعنى الكلام: وتهجرون ليلًا، فوضع السامر موضع الليل، فوحد لذلك. وقد كان بعض البصريين يقول: وُحِّد ومعناه الجمع، كما قيل: طفل في موضع أطفال، ومما يبين عن صحة ما قلنا في أنه وضع موضع الوقت، فوحد لذلك، قول الشاعر:

مِن دونهم إن جِئْتهُمْ سَمَرًا عَزف القِيَانِ ومَجْلِسٌ غَمْر
فقال: سمرًا لأن معناه: إن جئتهم ليلًا وهم يسمُرون، وكذلك قوله: سامرًا).
قلت: وعندئذ يكون قوله: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ على وجهين:
الوجه الأول: أنَّ يكون المقصود إعراضهم عن القرآن أو البيت أو رسول الله - ﷺ -.
قال ابن عباس: (يهجرون ذكر الله والحق)، وقال السدي: (السبّ).
الوجه الثاني: أنَّ يكون المقصود تياديهم بالقول كما يهجُر الرجل في منامه وذلك إذا هذى، فوصفهم بأنهم يقولون في القرآن باطلًا من القول وما لا معنى له، وقد وردَ في اللغة الهَجْرُ بمعنى الهذيان.


الصفحة التالية
Icon