فعن سعيد بن جبير: (تَهْجُرون: قال: يَهْجرون في الباطل). وفي رواية: (قال: يسمرون بالليل يخوضون في الباطل). وقال مجاهد: (بالقول السيِّئ في القرآن). وقال ابن زيد: (الهذيان الذي يتكلم بما لا يريد ولا يعقل، كالمريض الذي يتكلم بما لا يدري).
وكلا الوجهين يحتمله البيان الإلهي الكريم، وهو موافق لقراءة عامة قراء الأمصار، كما ذكر شيخ المفسرين رحمه الله، إذ اختار القراءة بفتح التاء وضم الجيم، قال: الإجماع الحجة من القراء).
وأما القراءة الثانية بضم التاء وكسر الجيم: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ فقرأ بها نافع بن أبي نعيم، وهي بمعنى: يُفحِشون في المنطق ويقولون الخنا. قال الرازي: (والهَجْر: ضدُّ الوصل)، وأهْجَرَ الرجل إذا أفحش في القول. ومنه تفسير ابن عباس: (تُهْجِرون: قال: تقولون هُجْرا). وقال الحسن: (تُهجرون رسولي). وقال قتادة: (يقول: يقولون سوءًا). وقال الضحاك: (يقولون المنكر والخنا من القول، كذلك هَجْر القول).
وخلاصة القول: إن كفار مكة لما طغوا أخذوا يَسْمرون بالليل يتغنون بكلام فاحش يؤذي الله ورسوله، ويتمادون بلغو القول وهم يَهْذون ويلعبون ويطربون. والآية السابقة تشبه قوله تعالى في سورة "النجم": ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾. قال ابن عباس: (هو الغناء بالحميرية، سمد لنا: غنى لنا). وقال مجاهد: (هو الغناء يقول أهل اليمن: سَمَدَ فلان إذا غنى).
٦٨ - ٧٥. قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥)﴾.
في هذه الآياتِ: ذمُّ الله تعالى منهج الكفار في التعامل مع الحق فهم معرضون، ولو