اتبع الحق أهواءهم لفسد الكون فإنهم قوم جاهلون مفسدون. فهل تسألهم - يا محمد - أجرًا على دعوتك لهم أم أنت محتسب في دعوتك إياهم إلى الصراط المستقيم. إن الذين لا يؤمنون بالآخرة تائهون في ضلالتهم ولو كشفنا عنهم ضرَّهم لعادوا في طغيانهم يترددون.
فقوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾.
إنكار على المشركين سوء تعاملهم مع الوحي الكريم، وعدم تفهمهم آيات هذا الذكر الحكيم. قال قتادة: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾: إذن والله يجدون في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تَدَبَّرَهُ القوم وعقلوه، ولكنهم أخذوه بما تشابَه، فهلكوا عند ذلك).
وفي قوله: ﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ أكثر من تأويل:
التأويل الأول: أم جاءهم أمر ما لم يأت آباءهم الأولين فأنكروه وأعرضوا عنه. ذكره ابن جرير.
التأويل الثاني: قيل: ﴿أَمْ﴾ بمعنى بل. قال القرطبي: (أي بل جاءهم ما لا عهد لآبائهم به، فلذلك أنكروه وتركوا التدبر به).
التأويل الثالث: قال ابن عباس: (وقيل: المعنى أم جاءهم أمان من العذاب، وهو شيء لم يأت آباءهم الأولين فتركوا الأعز).
قلت: والإعجاز القرآني يحتمل كل ذلك، ومفاد الآية الإنكار على طغاة مكة وأمثالهم عبر الزمان إعراضهم عن الهدى والحق وهذا القرآن العظيم، خوفًا على التقاليد والأعراف وموروث الأجداد. قال القاسمي: ﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي من الهدى والحق، فاستبدعوه واستبعدوه، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال. مع أن المجيء بما لم يعهد، لا يوجب النفرة. لأن المألوف قد يكون باطلًا، فتقتضي به الحكمة التحذير منه).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.
توقيف للقوم وتقريع وتقبيح. قال سفيان: (بلى! قد عرفوه ولكنهم حسدوه).
قال النسفي: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ محمدًا بالصدق والأمانة ووفور العقل وصحة النسب وحسن الأخلاق! ! أي عرفوه بهذه الصفات ﴿فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ بغيًا وحسدًا).