لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبدِ مَنافٍ لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباسُ بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمةَ رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنتَ محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا] (١).
الحديث الثالث: أخرج الحاكم والترمذي بسند صحيح عن جابر مرفوعًا: [إني رأيت في المنام كأن جبريلَ عند رأسي، وميكائيل عند رجلى، يقول أحدهما لصاحبه: اضربْ له مثلًا، فقال: اسمع سمعت أذُنكَ، واعقِل عقلَ قلبُك، إنما مثلك ومثلُ أمّتك كمثل ملكٍ اتخذ دارًا، ثم بنى فيها بَيْتًا، ثم جعل فيها مائدةً، ثم بعثَ رسولًا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فاللهُ هو الملكُ، والدارُ الإسلامُ، والبيتُ الجنةُ، وأنت يا محمد رسول، مَنْ أجابكَ دخلَ الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجَنَّة، ومن دخل الجَنَّة أكَلَ ما فيها] (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى: ولو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب، وضرّ الجوع والهزال. ﴿لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ يعني: في عتوّهم، وجرأتهم على ربهم. ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يعني يترددون).
وقال ابن كثير: (يُخبر تعالى عن غلظهم في كُفرهم، بأنه لو أزاح عِلَلَهُم وَأَفْهَمَهُم القرآن لما انقادِوا له، ولَاسْتَمَرُّوا على كُفرهم وطغيانهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)﴾ [الأنفال: ٢٣، وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٧ - ٢٩]، فهذا من باب عِلمه تعالى بما لا يكون، ولو كان كيف كان يكون. قال الضحاك، عن ابن عباس: كل ما فيه "لَوْ" فهو مما لا يكون أبدًا) انتهى.
٧٦ - ٨٣. قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٧١) - كتاب التفسير، وانظر كذلك (٤٧٧٠) منه.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٤/ ٣٩٣)، وأصله عند البخاري. وانظر صحيح الجامع (٢٤٦١).


الصفحة التالية
Icon