تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.
في هذه الآياتِ: إنزالُ الله المصائب والشدائد في المشركين ليردَّهم ذلك عن الكفر والباطل الذي هم غارقون فيه، وتذكيرهم بنعم الله عليهم في السمع والأبصار والأفئدة لعلهم يشكرون. وتنبيههم إلى عجائب قدرته تعالى في بث الخلق في الأرض والإحياء والإماتة واختلاف الليل والنهار لعلهم يعقلون. ومقابلة المشركين ذلك بالكبر والغرور واتهام قوارع الحق بأنها من أساطير الأولين.
أخرج ابن جرير والنسائي وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس قال: [جاء أبو سفيان إلى النبي - ﷺ - فقال: يا محمد! أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العِلْهزَ - يعني الوبر والدم - فأنزل الله: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ (١). ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا﴾: أي فما خشعوا. ﴿وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ أي: ما لجؤوا إلى ربهم بالاستغفار والدعاء.
والمقصود: ابتلاهم الله بالمصائب والشدائد عسى أن يردهم ذلك عَمَّا هُمْ غارقون فيه من الكفر والضلالة، فما نفعهم ذلك، بل تابعوا في غَيِّهم وضلالهم ومخالفتهم.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)﴾ [الأنعام: ٤٣].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)﴾ [نوح: ١٠ - ١٣].

(١) حديث صحيح. أخرجه النسائي في "التفسير" (٣٧٢)، وابن حبان (٩٦٧)، والطبراني (١٢٠٣٨) من طرق، وصححه الحاكم (٢/ ٣٩٤)، وأخرجه ابن جرير (٦٥٦٣٣)، والبيهقي في "الدلائل" (٤/ ٨١) من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس. وانظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - سورة المؤمنون - آية (٧٦).


الصفحة التالية
Icon