استيقن العذاب، وهو يوطِّن نفسه على العمل الصالح قطعًا من غير تردد. فالتردد إما يرجع إلى رده إلى الدنيا، وإما إلى التوفيق، أي أعمل صالحًا إن وفقتني، إذ ليس على قطع من وجود القدرة والتوفيق لو رُدَّ إلى الدنيا).
وقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾.
كلا: حرفُ رَدْعٍ وزَجْر، فهي كلمة ردّ، والمقصود بالآية أحد تأويلين:
التأويل الأول: أي ليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا.
التأويل الثاني: قيل: بل لو أجيب إلى ما يطلب لما وفّى بما يقول، بل غلبه كفره مرّة أخرى.
قلت: وكلا التأويلين محتمل يدل عليه السياق.
فدليل التأويل الأول: قوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١١)﴾ [المنافقون: ١٠، ١١].
ودليل التأويل الثاني: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨)﴾ [الأنعام: ٢٧، ٢٨].
وقوله: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.
كل حاجز بين شيئين فهو برزخ، قال الجوهري: (البرزخ الحاجز بين الشيئين).
والمقصود هنا بالبرزخ الحياة ما بين الدنيا والآخرة، من وقت خروج الروح إلى وقت البعث للحساب.
قال مجاهد وابن زيد: (البَرْزَخُ ما بين الموت إلى البعث). وقال الضحاك: (ما بين الدنيا والآخرة).
ومن كنوز صرح السنة المطهرة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الترمذي بسند جيد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إذا قُبِرَ الميتُ، أو قال أحدُكم، أتاه ملكان، أسودان أزرقان، يُقال لأحدهما: المُنْكرُ، والآخرُ: النكيرُ، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول: هو عبدُ الله ورسولهُ، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ،