فقوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾.
قال ابن عباس: (فذلك حين ينفخ في الصور فلا حي يبقى إلا الله).
والمعنى: إذا نفخ في الصور يوم النشور، وقام الناس من القبور، فيومئذ لا تنفع الأنساب والقربى، ولا يجدي إلا الصدق مع الله في العبادة والامتثال.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)﴾ [عبس: ٣٤ - ٣٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠)﴾ [المعارج: ١٠].
قال النسفي: (﴿وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا، لأن كلًّا مشغول عن سؤال صاحبه بحاله. ولا تناقض بين هذا وبين قوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ فالقيامة مواطن، ففي موطن يشتد عليهم الخوف فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون فيتساءلون).
قلت: وأما نسبه - ﷺ - فمتصل يوم القيامة فلا ينقطع كما تنقطع بقية الأنساب، وإنما ينتفع به أهله ما أقاموا منهاج النبوة ولم يحدثوا في الدين. وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" بسند حسن عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا: [كُلُّ سَبَبٍ ونسَبٍ مُنْقَطِع يومَ القيامة، إلا سببي ونَسَبي] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد بسند جيد عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول على هذا المنبر: [ما بالُ رجال يقولون: إن رَحِمَ رسول الله - ﷺ - لا تنفعُ قومه؟ بلى، والله، إنَّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإني - أيها الناس - فَرَطٌ لكم. فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله، أنا فلانُ بن فلان. وقال آخر: أنَّا فلانُ بن فلان. فأقول: أما النسبُ فقد عرفتُ، ولكنكم أحدثتم بعدِي، وارتددتُم القهقرى] (٢).

(١) حسن لشواهده. أخرجه الطبراني في "الكبير" (٣/ ١٢٩/ ١)، وانظر السلسلة الصحيحة (٢٠٣٦).
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ١٨)، (٣/ ٣٩)، (٣/ ٦٢)، وأخرجه أبو يعلى (١٢٣٨)، وقال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٣٦٤): رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد وثق. والحديث حسن في الشواهد.


الصفحة التالية
Icon