فقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾. تقريع للطغاة وتوبيخ بعدما وقعوا في شباك جهنم.
قال ابن كثير: (هذا تقريعٌ من الله تعالى لأهل النار وتوبيخ لهم على ما ارتكبوا من الكفر والمآثم والمحارم والعظائم التي أوبقتهم في ذلك، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أي: قد أرسلت إليكم الرسل، وأنزلت الكتب، وأزلت شبُهَكم، ولم يبق لكم حجة تُدْلونَ بها كما قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، وقال تعالى: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)﴾ [الملك: ٨ - ١١]).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾.
فيه أكثر من تأويل:
١ - قال مجاهد: (﴿غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾: التي كتبت علينا).
٢ - قال القرطبي: (غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا، فسمى اللذات والأهواء شقوة، لأنهما يؤدّيان إليها).
٣ - قيل: المقصود حسن الظن بالنفس وسوءُ الظن بالخلق.
قلت: وكلها أقوال متقاربة متكاملة، مفادها أن الطغاة اعترفوا متأخرين بعدما لفحتهم نار جهنم أنهم اختاروا طريق الشقاوة في الحياة الدنيا، فتحاكموا لأهوائهم وشهواتهم ومناهج الضلال وصدّوا عن سبيل الله، فحق عليهم الشقاء الذي كتبه الله عليهم بعلمه وعدله وحكمته.
وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾.
هو أمل لا تحقيق لهُ، وأمنية لا إجابة لها، فالكفار في جهنم يتمنون الرجعة ويعاهدون ربهم أن لا يعودوا إلى آثامهم وجرائمهم ولكن دون جدوى، فقد فاتهم قطار النجاة، وقضى الله انتهاء الحياة الدنيا، وسيتابعون حياتهم في نار جهنم في نحيب وبكاء.