فقوله تعالى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾.
أي: كم تُلَخِّصون ما أمضيتم في الحياة الدنيا أمام ما تستقبلون من الزمان في الدار الآخرة.
قال القرطبي: (وهذا السؤال للمشركين في عَرَصات القيامة أو في النار).
وقوله: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾.
قال النسفي: (استقصروا مدة لبثهم في الدنيا بالإضافة إلى خلودهم ولما هم فيه من عذابها لأن الممتحن يستطيل أيام محنته ويستقصر ما مرّ عليه من أيام الدعة).
وقوله: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾. قال مجاهد: (الملائكة). وقال قتادة: (فاسأل الحُسّاب). أو قال: (فاسأل أهل الحساب). وكلا التأويلين ممكن.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
قال ابن كثير: (أي: مُدَّةً يسيرة على كل تقدير ﴿لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، أي: لما آثرتم الفاني على الباقي، ولما تَصَرَّفتم لأنفسكم هذا التصرف السيِّئ ولا استحققتم من الله سُخطَه في تلك المدة اليسيرة، ولو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته كما فعل المؤمنون لَفُزْتُم كما فَازوا).
والمقصود: سَتُخْتَزَلُ الحياة الدنيا بجميع أفراحها وآلامها في بعض يوم من أيام الحياة الآخرة، وسيعلم الكافرون ضخامة الجُرم الذي صنعوه إذ خسروا الصفقة وضيعوا العمر بالكفر والشهوات، فأورثهم ذلك شقاء سرمديًا يوم القيامة.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يُوْتى بِأَنْعَمِ أهل الدنيا، مِنْ أهلِ النار، يومَ القيامة، فَيُصْبَغُ في النار صَبْغَةً، ثم يُقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيرًا قط؟ هل مَرَّ بكَ نعيمٌ قطُ؟ فيقول: لا، والله! يا ربِّ! وَيُؤتى بأشَدِّ الناس بُؤْسًا في الدنيا، مِنْ أهل الجَنَّةِ، فَيُصبَغُ صَبْغَة في الجَنَّة، فيقال له: يا ابن آدَمَ! هَلْ رأيْتَ بُؤسًا قَطُّ؟ هل مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيقولُ: لا، والله! يا رب! ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رأيتُ شِدَّةً قطُّ] (١).