مؤمنًا بكافر، فأدخل النار. فقال رسول الله: بل نترَفَقُ به، ونُحْسنُ صُحْبَتَهُ ما بقي معنا] (١).
ورواه الطبراني والبزار بلفظ آخر وفيه أن النبي - ﷺ - قال له: (لا، ولكن بر أباك وأحسن صحبته) وسنده صحيح (٢).
وقد ظهر مباشرة أثر هذه الحكمة النبوية في معالجة النفاق، إذ أصبح رأس النفاق موضع التوبيخ من قومه، كلما بدرت منه حماقة جديدة أو فاحت رائحة الغل والحقد من قلبه.
ففي رواية ابن إسحاق السابقة: (قال: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويُعَنِّفونه. فقال رسول الله - ﷺ - لعمر بن الخطاب، حين بلغه ذلك من شأنهم: كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلتُه يوم قلتَ لي اقتُله، لأُرْعِدت له آنُفٌ، لو أمرتها اليوم بقَتْلِه لقتلته، قال: قال عمر: قد والله علمتُ لأمرُ رسول الله - ﷺ - أعظمُ بركة من أمري) (٣).
ثم وقف عبد الله رضي الله عنه على باب المدينة يمنع أباه من دخولها، واستل سيفه مهددًا والده رأس النفاق أن لا يدخلها إلا بإذن من رسول الله - ﷺ -.
روى ذلك الإمام الترمذي بإسناد حسن عن جابر، قال: [فقال له ابنُه عبد الله بن عبد الله: والله لا تَنْقَلِب حتى تُقِرَّ أنك الذليل ورسولُ الله - ﷺ - العزيز ففعل] (٤).
وهنا دخل المدينة ذليلًا صاغرًا ولكنه بيت شرًّا، فما لبث فيها قليلًا حتى أحدث فتنة عمياء كادت تودي بصواب طائفة من المسلمين، وتركت آخرين منهم حيارى قلقين لا يعرفون رشدًا من أمرهم، حين أقدم الخبيث على اتهام سيدة البراءة عائشة رضي الله عنها بالزنا والفاحشة، وعلى إيذاء النبي - ﷺ - بالتطاول على عرضه وبسط القول فيه كذبًا وزورًا.
فلندع أم المؤمنين، أسوة الطاهرات العفيفات في الأمة، تروي لنا خبر الإفك
(٢) حديث حسن. قال الهيثمي في المجمع (٩/ ٣١٨): رواه البزار ورجاله ثقات. وانظر صحيح السيرة - إبراهيم العلي - ص ٢٥٥.
(٣) انظر: سيرة ابن هشام (٢/ ٢٩٠ - ٢٩٢)، وهو حديث حسن لغيره كما مضى.
(٤) انظر: سنن الترمذي (٣٣١٥)، كتاب التفسير، وهو حسن صحيح.