الذين قالوا ما قالوا، ثم قال: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾... الآية: أي كما قال أبو أيوب وصاحبته].
فهلَّا جاء هؤلاء العصبة الذين اختلقوا الإفك ورموا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالبهتان، بأربعة شهداء يشهدون على حقيقة ما يزعمون، فإذْ لم يفعلوا فأولئك عند الله هم الكاذبون. ولولا تفضل الله عليكم أيها الخائضون، بتركه تعجيل عقوبتكم في الدنيا، ثم رحمته بقبول توبتكم وعفوه عنكم في الدنيا والآخرة، لمسكم فيما خضتم فيه من أمرها عذاب عظيم معجل في الدنيا، لقاء ما أسرفتم على أنفسكم وآذيتم أمكم ونبيكم.
وقد أمر النبي - ﷺ - بإقامة حد القذف على مسطح وحسان وحمنة كما يروي البزار والبيهقي بإسناد حسن، وأما رأس النفاق فلا داعي لإقامة الحد عليه، إذ إن في إقامته عليه كفارة، وهو ممن توعده الله جهنم يصلاها ذليلًا صاغرًا، ويذوف فيها عذابًا أليمًا، فهو أدنى بكثير من أن يقام عليه الحد، هذا تفسير، والتفسير الآخر أورده ابن القيم بزاد المعاد: أنَّ ذلك المنافق كان لا يترك دليلًا ضده يدينه في كلامه، فكان لا يتكلم بالإفك أمام المؤمنين، وأميل إلى التفسير الأول.
ثم عاب الله على الذين تلقونه بألسنتهم وخاضوا فيه دون دليل أو علم، وهم يحسبون ذلك هينًا وهو عند الله عظيم، وإنما كان الأليق بهم أن يقولوا: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.
فعن مجاهد: (إذ تلقونه بألسنتكم: قال: ترْوونه بعضُكم عن بعض).
وقال ابن جرير: (يقول: وتلقيكم ذلك كذلك، وقولكُموه بأفواهكم، عند الله عظيم من الأمر، لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله - ﷺ - وحليلته. فلولا أيها الخائضون في الإفك، الذي جاءت به عصبة منكم ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ ممن جاء به ﴿قُلْتُمْ﴾ ما يحل لنا أن نتكلم بهذا، وما ينبغي لنا أن نتفوه به ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ تنزيهًا لك يا رب، وبراءة إليك مما جاء به هؤلاء).
ثم أخبر المؤمنين ليحذروا: أنَّ هناك من يحب أن تَشيع الفاحشة في صفوفهم، ويخرب بيوتهم ويهددها من الداخل، وأولئك لهم عذاب اليم، فإياكم أن تتبعوا خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر وفاسد القول والعمل. ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾. قال ابن عباس: (ما اهتدى منكم من الخلائق لشيء من