وفي صحيح مسلم أيضًا عنها قالت: [أرسلَ أزواجُ النبي - ﷺ - فاطمةَ بنتَ رسول الله - ﷺ - إلى رسول الله - ﷺ -، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مِرْطي، فأذِنَ لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنكَ العدلَ في ابنةِ أبي قُحافة (١) وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله - ﷺ -: أي بنية ألستِ تُحبِّين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه، قالت: فقامَتْ فاطمة رضي الله عنها حين سمعت ذلك من رسول الله - ﷺ -، فرجعت إلى أزواج رسول الله - ﷺ - فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله - ﷺ -، فقلن لها: ما نراك أغْنَيْتِ عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله - ﷺ - فقولي له: إن أزواجَكَ ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدًا، قالت عائشة: فأرسل أزواجُ النبي - ﷺ - زينب بنت جَحْشٍ رضي الله عنها زوجَ النبي - ﷺ -، وهي التي كانت تساميني (٢) منهن في المنزلة عند رسول الله - ﷺ -، ولم أرَ امرأةً قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدَق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظمَ صدقةً، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصَدَّقُ به وتقرَّبُ به إلى الله تعالى ما عدا سَوْرَةً من حِدَّةٍ كانت فيها، تُسْرعُ منها الفَيْئَة - تعني فيها شدة في الخلق وسرعة في الغضب لكنها تسرع الرجعة ولا تصر -، قالت: فاستأذنت على رسول الله - ﷺ - ورسول الله - ﷺ - مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله - ﷺ -، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنَكَ العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقَعَتْ بي، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقبُ رسول الله - ﷺ -، وأرقبُ طَرْفَهُ هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفتُ أن رسول الله - ﷺ - لا يكرهُ أن أنتَصِرَ، قالت: فلما وَقَعْتُ بها لم أَنْشَبْها - أي لم أمهلها - حين أنحيت عليها - أي قصدتها بالمعارضة وانتصرت منها -، قالت: فقال رسول الله - ﷺ - وتَبَسَّمَ: إنها ابنةُ أبي بكر] (٣).
٤ - الأصل في المؤمنين الظن بأنفسهم خيرًا:
فقد نبه الله سبحانه المؤمنين إلى ذلك حين نزلت الآياتِ من سورة النور تبرئ عائشة، وترتقي بالمجتمع المسلم إلى رفيع الأدب والخلق: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ

(١) المراد التسوية في محبة القلب بينها وبينهن، وهو أمر لا تكليف فيه ولا يملكه أحد.
(٢) أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة.
(٣) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم (١٦٦٢)، الباب السابق.


الصفحة التالية
Icon