وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)}.
وقد تألق من بين المؤمنين بهذا الخلق أبو أيوب رضي الله عنه، وكذلك زينب بنت جحش التي قالت: (أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرًا). وكذلك أسامة بن زيد رضي الله عنه.
وقد جاءت السنة الصحيحة لتؤصل جذور هذا الخلق الكريم في قلوب المؤمنين، وَلِتَعِدَ على ذلك الأجر العظيم.
فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله - ﷺ - قال: [من ذَبَّ عَنْ عِرْض أخيه بالغَيْبَة، كان حقًّا على الله أن يعتقَه من النار] (١).
والمسلمون بذلك يُفَوِّتون الفرصة على شياطين الإنسَ والجن، الذين يهمهم أن تشيع الفاحشة بين صفوفهم، ويتمنون بذلك خراب بيوتهم وتمزيق روابطهم وصلاتهم. وفي هذا يقول الدكتور العمري: (والحق أن حادثة الإفك كادت تشعل نار العصبية من جديد بين الأوس والخزرج هذه المرة، حيث تجادل زعماؤهم بغضب في المسجد، وكان هذا هو مقصد المنافقين أن يهدموا وحدة المسلمين ويزعزعوا ثقتهم بقيادتهم، ويشعلوا نار الفتنة بينهم، ولكق الله سلم، وتمكن الرسول عليه الصلاة والسلام من تهدئة الجميع والحفاظ على وحدتهم والخروج من الامتحان الصعب بنجاح) (٢).
وقد أجاد ابن القيم رحمه الله في وصفه لموقف أسامة حين أخذ يسلي رسول الله - ﷺ - ويشير عليه بإمساك أهله دون التفات لمحاولات الأعداء ومكرهم وكلامهم فقال: (وأشار عليه أُسامةُ وغيرُه بإمساكها، وألا يلتفت لكلام الأعداء،.. لَمَّا عَلمَ حُبَّ رسول الله - ﷺ - لها ولأبيها، وعلمَ من عفتها وبراءتها، وحَصانتها ودَيانتها ما هي فوقَ ذلك، وأعظمُ منه، وعرف من كرامةَ رسول الله - ﷺ - على ربِّه ومنزلته عنده، ودفاعه عنه، أنه لا يجعلُ رَبَّةَ بيته وحبيبته من الحساء، وبنتَ صدِّيقه بالمنزلة التي أنزلها به أرباب الإفك، وأن رسول الله أكرمُ على ربه، وأعزُّ علَيه من أن يجعل تحته امرأة بغيًّا، وعلم أن الصديقة حبيبةَ رسول الله - ﷺ - أكرمُ على ربها من أن يَبْتَليها بالفاحشة، وهي تحت رسوله.

(١) حديث صحيح. رواه أحمد بإسناد صحيح. انظر صحيح الجامع (٦١٤٦).
(٢) انظر كتاب: "السيرة النبوية الصحيحة" (٢/ ٤١٢).


الصفحة التالية
Icon