بالخمار على الجيوب، وهذا نصٌّ على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك).
وقد ذكر القرطبي (١٢/ ٢٣٠) وغيره في سبب نزول هذه الآية: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾: (أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة، وهي المقانع، سدلنها من وراء الظهر كما يصنع النبط، فيبقى النحر والعنق والأذُنان لا ستر على ذلك. فأمر الله تعالى بلي الخمار على الجيوب).
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، أنَّها قالت: [يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ شققن أكنف (١) مروطهن فاختمرن بها] (٢).
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" بسند صحيح عن الحارث بن الحارث الغامدي قال: [قلت لأبي ونحن بمنى: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم، قال: فنزلنا، "وفي رواية: فتشرفنا"، فإذا رسول الله - ﷺ - يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان به، وهم يردون عليه قوله ويؤذونه، حتى انتصف النهار وتصدع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي، تحمل قدحًا فيه ماء ومنديلًا، فتناوله منها، وشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: يا بنية! خمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذُلًّا. قلت: من هذه؟ قالوا: هذه زينب بنته] (٣).
وقوله: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾. توضيحٌ لمحارم المرأة الذين يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها، وهم: زوجها، والدها، والد زوجها، ابنها، ابن زوجها، أخوها، ابن أخيها، ابن أختها، النساء المسلمات، أَمَتُها ورقيقها من الرجال والنساء، والأجراء والأتباع ممن لا أرب له في النساء كالأبله والأحمق ونحو ذلك. قال ابن كثير: (كل هؤلاء محارم

(١) وفي رواية عند أبي صالح: أكثف.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٤٤٠٢) - كتاب اللباس. انظر صحيح أبي داود (٣٤٥٧).
(٣) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ج ١/ ٢٤٥/ ٢)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤/ ٤٦ - ١/ ٢٤٣ - ١)، وانظر: "حجاب المرأة المسلمة" ص (٣٦) وقال الألباني: هذا الحديث صحيح.


الصفحة التالية
Icon