ما ثَمَّ، من الصِّغَرِ قبل الحُلُم). قال ابن كثير: (يعني لِصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهنّ، من كلامِهنَّ الرَّخيمِ، وتَعَطُّفِهن في المِشْيَةِ وحَرَكاتِهنَّ وسكناتِهنَّ، فإذا كان الطفلُ صغيرًا لا يفهَمُ ذلك فلا بأس بدُخوله على النساء، فأما إن كان مُرَاهِقًا أو قريبًا منه بحيث يعرف ذلك ويَدْريه، ويُفَرِّقُ بين الشوهاء والحسناء، فلا يُمَكَّن من الدخول على النساء).
قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث:
الحديث الأول: في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر: [أن رسول الله - ﷺ - قال: إياكم والدخولَ على النِّساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحَمْوَ؟ قال: الحَمْوُ: المَوْتُ" (١).
الحديث الثاني: خرّج مسلم في صحيحه عن ابن عباس يقول: سمعت النبي - ﷺ - يخطب يقول: [لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم] الحديث (٢).
الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث جابر بن سمرة قال: [خطب عمر الناس بالجابية فقال: إن رسول الله - ﷺ - قام في مثل مقامي هذا فقال: أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يحلف أحدهم على اليمين قبل أن يستحلف عليها، ويشهد على الشهادة قبل أن يُستشهد، فمن أحبَّ منكم أن ينال بحبوحة الجَنَّة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلونَّ رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان، ومن كان منكم تسرّه حسنته وتسوؤه سيئته فهو مؤمن] (٣).
وقوله: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾. قال ابن عباس: (فهو أن تقرعَ الخَلْخال بالآخر عند الرجال، ويكون في رجليها خلاخل، فتحركهنّ عند الرجال، فنهة الله سبحانه وتعالى عن ذلك؛ لأنه من عمل الشيطان).
ويبدو أنَّها كانت عادة في الجاهلية، تضرب المرأة برجلها الأرض إذا مشت فيسمع طنين خلاخيلها، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٢٣٢) - كتاب النكاح، وأخرجه مسلم (٢١٧٢)، وأحمد (٤/ ١٤٩)، والترمذي (٢١٧١)، وابن حبان (٥٥٨٨)، والبيهقي (٧/ ٩٠).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٣٤١) - كتاب الحج، في أثناء حديث أطول، ورواه البخاري.
(٣) حديث صحيح. انظر مسند أحمد (١/ ١٧٧)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (٤٣١).


الصفحة التالية
Icon