أراد أن يُكَاتبه، فتلكّأ عليه، فقال له عمر: لتُكاتِبَنَّه).
القول الثاني: الندب وعدم الوجوب. وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والشافعي في الجديد. قال ابن وهب: قال مالك: (الأمر عندنا أن ليس على سَيِّد العبد أن يكاتِبَهُ إذا سأله ذلك، ولم أسمع أحدًا من الأمة أكره أحدًا على أن يكاتِبَ عبده).
قال مالك: (وإنما ذلك أمرٌ من الله تعالى وإذنٌ منه للناس، وليس بواجب). واحتج الشافعي في مذهبه الجديد على عدم الوجوب بحديث حنيفة الرقاشي- الذي أخرجه أبو يعلى وأحمد بسند حسن- مرفوعًا: [لا يحل مالُ امرئٍ مسلم إلا بطيب نفس منه] (١).
قلت: والراجح الندب لا الوجوب، فإن الرجل حرٌّ في ماله، فلو طلب منه عبدُهُ المكاتبة فإن شاء كاتبه وإن شاء لم يفعل. قال الشعبي: (إن شاء كاتَبَهُ، وإن شاء لم يكاتبه). ومن ثمَّ فإنَّ الأمرَ في الآية أمر إرشاد واستحباب، لا أمر تحتّم وإيجاب، وهو قول الجمهور.
قال القرطبي: (وتمسك الجمهور بأن الإجماع منعقد على أنه لو سأله أن يبيعه من غيره لم يلزمه ذلك، ولم يجبر عليه وإن ضوعف له في الثمن. وكذلك لو قال له أعتقني أو دَبِّرني أو زوّجني لم يلزمه ذلك بإجماع، فكذلك الكتابة، لأنها معاوضة فلا تصح إلا عن تراضٍ. وقولهم: مطلق الأمر يقتضي الوجوب صحيح، لكن إذا عَرِيَ عن قرينة تقتضي صرفه عن الوجوب، وتعليقه هنا بشرط علم الخير فيه، فعلّق الوجوب على أمر باطن وهو علم السيد بالخيرية. وإذا قال العبد: كاتبني، وقال السيد: لم أعلم فيك خيرًا، وهو أمر باطن، فيرجع فيه إليه ويعوّل عليه. وهذا قويّ في بابه).
وأما قوله: ﴿خَيْرًا﴾ ففيه أقوال متكاملة:
١ - قال مالك بن أنس: (الخير: القوة على الأداء). أو قال: (الاكتساب والأداء). وهو قول الشافعي.
٢ - وقال الحسن: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ قال: صدقًا، ووفاء، وأداء، وأمانة). وقال مجاهد: (مالًا وأمانة). وقال ابن عباس: (إن علمتم لهم مالًا).
٣ - وقال عمرو بن دينار: (أحسبه كل ذلك المال والصلاح).