عبده المؤمن، فحجابه سبحانه النور، وكتابه نور، وسيرة رسوله - ﷺ - نور على نور، وقلب عبده المؤمن منوّر بهذا الخير كله.
وأما المشكاة ففي معناها أكثر من قول:
القول الأول: قيل هي كل كوّة لا منفذ لها، وهو مثل ضربه الله لقلب محمد - ﷺ -.
قال ابن عباس: (المشكاة: كوّة البيت). وفي لفظ: (موضع الفتيلة). وقال كعب: (المشكاة وهي الكوة، ضربها الله مثلًا لمحمد - ﷺ -).
القول الثاني: قيل بل عني بالمشكاة صدر المؤمن، وبالمصباح: القرآن والإيمان، وبالزجاجة: قلبه.
فعن أبي العالية عن أبي بن كعب: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ﴾ قال: (مثل المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره كمشكاة، قال: المشكاة: صدره. ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ قال: والمصباح القرآن والإيمان الذي جعل في صدره. ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ قال: والزجاجة قلبه. ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ﴾، قال: فمثله مما استنار فيه القرآن والإيمان كأنه كوكب دري، يقول: مضيء، ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ قال: والشجرة المباركة: أصله المباركة الإخلاص لله وحده وعبادته، لا شريك له. ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال: فمثله مَثل شجرة التفّ بها الشجر، فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت، ولا إذا غربت، وكذلك هذا المؤمن قد أُجيرَ من أن يُصيبه شيء من الغيرِ، وقد ابتُلي بها، فثبته الله فيها، فهو بين أربع خلال: إنْ أُعطي شكَر، وإن ابتُلي صَبَر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحيّ يمشي في قبور الأموات، قال: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ فهو يتقلَّب في خمسةٍ من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدْخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة في الجنة).
وقال ابن عباس: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ قال: مثل هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسّه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءًا على ضوء، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى، ونورًا على نور، كما قال إبراهيم صلوات الله عليه قبل أن تجيئه المعرفة ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ حين رأى الكوكب من غير أن يخبره أحد أن له ربًا، فلما أخبره الله أنه ربه، ازداد هدى على هدى).


الصفحة التالية
Icon