أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}. نَعْتُ لبعض صفات المنافقين، يظهرون الطاعة والإيمان، ويُبْطِنُون المكر والعصيان. قال ابن جرير: (﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾: لتركهم الاحتكام إلى رسول الله - ﷺ -، وإعراضهم عنه إذا دُعُوا إليه).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾. أي: وإذا دعي هؤلاء المنافقون إلى التحاكم إلى كتاب الله وهدي رسوله ترى فريقًا منهم كارهين منكرين مستكبرين.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ أي: وإن كان لهم -أي لهؤلاء المنافقين- حقٌّ عند من يدعونهم إلى كتاب الله ورسوله، لرأيتهم يأتون إلى رسول الله للمطالبة بحقهم مسرعين منقادين لحكمه وقضائه لاستخلاص حقهم. وقال مجاهد: (﴿يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ قال: سِراعًا).
وقوله تعالى: ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. قال النسفي: (قسم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بأن يكونوا مرضى القلوب منافقين، أو مرتابين في أمر نبوته، أو خائفين الحيف في قضائه، ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله: ﴿بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أي لا يخافون أن يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله، وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن ثمّ يأبون المحاكمة إليه).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. أي: إنما صفة المؤمنين إذا دعوا للتحاكم لله ورسوله عند الخصومة الانقياد الكامل وإعلان السمع والطاعة، فهؤلاء أهل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: ٤٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٨].