كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون. وأمْرٌ بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول الكريم. وتقرير عجز الكافرين عن الهروب من عذاب الله وماواهم النار ولبئس المصير.
أخرج الحاكم والطبراني بسند رجاله ثقات عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: [لما قدم رسول الله - ﷺ - وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا ترون أنا نعيش حتى نكون آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله، فنزلت: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ إلى وَمَن ﴿وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ يعني بالنعمة ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾] (١).
وقد حصل وعد الله تعالى لرسوله - ﷺ - ولأصحابه من بعده، فقد أظهر الله نبيّه على مكة وخيبر والبحرين وسائر الجزيرة العربية وكامل أرض اليمن، وأخذ جزية مجوس هجر وبعض أطراف الشام، وهاداه هرقل والمقوقس والنجاشي ملك الحبشة بعد أصحمة. وتابع الصديق الفتوح بعده، فدانت له جزيرة العرب وبعث الجيوش إلى الشام وبلاد فارس ومصر، ففتحت دمشق وبصرى وبعض مناطق حوران في زمانه، وأكمل الفتوح من بعده عمر رضي الله عنه ففتحت الشام في عهده بأكملها، وكذلك بلاد مصر وأغلب فارس، ثم تابع عثمان رضي الله عنه حتى حكم أقصى المشارق والمغارب بالإسلام، وأذلّ جيوش الكفر والطغيان. وهذه الآية عامة في كل زمان ومكان، فهي موعود الله تعالى للمؤمنين الصادقين عبر الأيام.
والبشائر في ذلك كثيرة كما جاء في السنة العطرة:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ثوبان، عن النبي - ﷺ - قال: [إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها] (٢).
الحديث الثاني: أخرج أحمد وابن حِبّان بسند صحيح عن المقداد بن الأسود

(١) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات. والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. انظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول"- الوادعي- سورة النور، آية (٥٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨/ ١٧١)، وأبو داود (٤٢٥٢)، وأحمد (٥/ ٢٧٨)، والترمذي (٢/ ٢٧)، وابن ماجة (٢٩٥٢).


الصفحة التالية
Icon