ورواه ابن ماجة بلفظ. [جاء رجل إلى النبي - ﷺ - فقال: إنّ أبي اجتاع مالي. فقال: أنت ومالُكَ لأبيك. وقال رسول الله - ﷺ -: إن أولادَكم مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكم، فكلوا مِنْ أموالهم].
الحديث الثالث: أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن جابر بن عبد الله: [أن رجلًا قال: يا رسول الله! إنّ لي مالًا وولدًا. وإن أبي يريد أن يجتاح مالي. فقال: أَنْتَ ومَالُكَ لأبيك] (١).
قال القاسمي في "التفسير": ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ يعني أموال المرء، إذا كان له عليهم قيّم ووكيل يحفظها له، أن يأكل من ثمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته. وملك المفاتح كونها في يده وحفظه).
وقال ابن كثير في "التفسير": (وقوله تعالى: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾، أي: بيوت أصدقائكم وأصحابكم، فلا جُناح عليكم في الأكل منها إذا علمتم أن ذلك لا يشقُّ عليهم ولا يَكْرَهون ذلك).
قلت: وهذا فهم لطيف للآية، فإنه لا بد من الشعور بسماح الصديق بذلك وعدم إحراجه مع أهله. وعليه يفهم قول قتادة: (إذا دخلت بيتَ صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه). وفي الأثر عن جعفر الصادق: (من عظم حرمة الصديق، أن جعله الله من الأنس والثقة والانبساط وطرح الحشمة، بمنزلة النفس والأب والأخ والابن).
وقوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾. رخصة من الله تعالى أن يأكل الرجل وحده، ومع الجماعة، وإن كان الأولى والأفضل الأكل مع الجماعة رجاء حصول البركة.
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بروائع هذا المعنى:
الحديث الأول: أخرج ابن ماجة بسند حسن عن وحشي: [أنهم قالوا: يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع. قال: فَلعَلَّكُم تأكلون متفرِّقين؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يُبَارَكْ لكمْ فيه] (٢).
الحديث الثاني: أخرج الطبراني في "الأوسط" بسند حسن عن ابن عمر قال: قال

(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (٢٢٩١). وانظر صحيح ابن ماجة (١٨٥٥).
(٢) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٣٢٨٦) - كتاب الأطعمة. باب الاجتماع على الطعام، وانظر صحيح سنن ابن ماجة (٢٦٥٧)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (٦٦٤).


الصفحة التالية
Icon