تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤)}.
في هذه الآيات: إرشادٌ من الله تعالى عباده المؤمنين إلى الأدب مع نبيهم - ﷺ -، فإذا دخلوا أو خرجوا فليستأذنوا ولا يتفرقوا إلا عن أمره. والنهي عن مناداة الرسول كمناداة غيره أو ظن دعائه كدعاء غيره. والوعيد الشديد على من تعمد مخالفة أمره، والله بكل شيء عليم.
فقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾. قال ابن كثير: (وهذا أيضًا أدَبٌ أرشد الله عبادَه المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف، ولا سِيَّما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- من صلاة جُمُعَةٍ أو عيد أو جماعة، أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك).
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. شهادةٌ من الله تعالى لملتزمي هذه الآداب الرفيعة مع نبيّهم بصدق الإيمان وكماله.
وقوله: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: فإذا استأذنك يا محمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لبعض شأنهم، يعني لبعض حاجاتهم التي تعرض لهم، فأذن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ﴾ يقول: وادع الله لهم بأن يتفضل عليهم بالعفو عن تبعات ما بينه وبينهم ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لذنوب عباده التائبين ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم أن يعاقبهم عليها، بعد توبتهم منها).
قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذه الآداب العالية في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمر: [أنه أتى النبي - ﷺ -، وهو في مشْرُبَةٍ له، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم! أيدخل عمر؟ ] (١).
الحديث الثاني: أخرج أبو داود والترمذى بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال