جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (١١) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (١٢) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (١٤)}.
في هذه الآيات: التفاتُ المشركين إلى النقد البارد لطبيعة شخص من أرسل إليهم، وانصرافهم عن الوحي العظيم المنزل بشأنهم لنجاتهم وسعادتهم، فهم كالأقوام من أمم الرسل قبلهم يحتجون على الرسول بأنه يأكل مثلهم ويدخل الأسواق للتكسب والتجارة، ويتنطعون في طلب الآيات والمعجزات والخيالات، وقد كذبوا بالساعة وقد توعدهم الله بسوء العذاب ونوال النكال.
فقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾.
قال ابن جرير: (وقال المشركون ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ﴾: يعنون محمدًا - ﷺ -، الذي يزعم أن الله بعثه إلينا ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ كما نأكل، ﴿وَيَمْشِي﴾ في أسواقنا كما نمشي. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾: يقول: هلا أنزل إليه ﴿مَلَكٌ﴾ إن كان صادقًا من السماء ﴿فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ منذرًا للناس، مصدّقًا له على ما يقول، أو يلقى إليه كنز من فضة أو ذهب، فلا يحتاج معه إلى التصرف في طلب المعاش ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ﴾ يقول: أو يكون له بستان ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾).
وقوله: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾. قال القاسمي: (أي مغلوبًا على عقله).
وقوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾. توبيخ للمشركين وتسخيف لحججهم الدالة على تفاهة عقولهم، إذ تجرؤوا على القدح بنبوّتك يا محمد بأساليب سخيفة فخسروا طريق الهداية وحُوصروا في باطلهم. قال ابن عباس: (﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ أي التمسوا الهدى في غير ما بعثتك به إليهم فضلوا، فلن يستطيعوا أن يصيبوا الهُدى في غيره).
وقال مجاهد: (﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ قال: مَخْرجًا يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك).