وقوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾. قال ابن عباس: (من أن تمشي في الأسواق، وتلتمس المعاش كما يلتمسه الناس).
وقال مجاهد: (مما قالوا وتمنّوا لك، فيجعل لك مكان ذلك ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾، ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾ قال: بيوتًا مبنية مشيدة، كان ذلك في الدنيا، قال: كانت قريش ترى البيت من الحجارة قصرًا كائنًا ما كان). فالمعنى: تقدّس الذي إن شاء جعل لك يا محمد خيرًا مما قالوا وتخيّلوا، بساتين ثمار وجمال، تجري من تحتها الأنهار، وبيوتًا مبنية مشيدة من حجارة وزخارف وعمران، ولكن اقتضت حكمته أن يكون الجهاد في الدنيا لإعلاء كلمة الحق لا لسكن القصور والنظر في الأموال، وأن يكون هذا القرآن بما بسط الله فيه من الآيات البديعة مصدر الإيمان والاستدلال، وقد هيأ الله في الدار الآخرة من النعيم لرسله وأوليائه ما يعجز عنه الوصف والخيال، فسبحان الله الكريم الحكيم المتعال.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾.
أي: بل أتوا بأعجب من ذلك الذي تنطّعوا به، وهو تكذيبهم بالساعة، وقد قضى الله تعالى لمن كذب بالساعة نارًا يصلاها ويذوق سعيرها ولهبها.
وقوله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾.
قال النسفي: (أي إذا كانت منهم بمرأى الناظرين في البعد سمعوا صوت غليانها، وشبه ذلك بصوت التغيظ والزافر، أو إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضبًا على الكفار).
وفي جامع الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يخرجُ عُنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إني وُكِّلت بثلاث: بكل جَبَّار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوِّرين] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾. معنى مقرَّنين: مُكتَّفين مقيدين مسلسلين بالأغلال. وعن الضحاك: (﴿ثُبُورًا﴾ أي هلاكًا). وقال ابن عباس: (ويلًا).