قال القاسمي: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ﴾ أي قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ أي هلاكًا. أي نادوه نداء المتمني الهلاك، ليسلموا مما هو أشد منه. كما قيل: أشد من الموت ما يُتمنى معه الموت).
وقوله تعالى: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾. قال ابن عباس: (أي: لا تدعوا اليوم ويلًا واحدًا، وادعوا ويلًا كثيرًا).
وعن الضحاك: (الثبور: الهلاك). قال ابن كثير: (والأظهر أن الثُّبور يجمع الهلاك والويل والخسارَ والدَّمار، كما قال موسى لفرعون: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ أي: هالكًا).
وفي مستدرك الحاكم بسند حسن عن أبي موسى عن النبي - ﷺ - قال: [إنَّ أهل النار ليَبْكونَ حتى لو أُجْرِيت السفن في دموعهم جَرَتْ، وإنهم ليبكون الدم] (١).
١٥ - ١٦. قوله تعالى: ﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (١٥) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (١٦)﴾.
في هذه الآيات: دعوةُ الكافرين لمقارنة منازل النعيم مع مدارك الجحيم، فالمتقون في جنات ونعيم، ومقام كريم، خالدين في الملذات وفي رضوان رب العالمين.
فقوله: ﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾.
قال القرطبي: (قيل: إنما قال ذلك لأن الجنة والنار قد دخلتا في باب المنازل، فقال ذلك لتفاوت ما بين المنزلتين).
فالمعنى: قل -يا محمد- لهؤلاء الأشقياء الذين سلكوا سبيل الجحيم، والجلوس في السعير مُقَرَّنِينَ، والخلود في مضايق جهنم بأنهم كانوا مجرمين، أذلك خير لكم أم طاعة الله التي كانت توردكم حياض النعيم، والتلذذ بألوان الطعام والشراب والملذات مع المتقين! ؟