الْأَسْوَاقِ}. تأييد للنبي - ﷺ - واحتجاج من الله تعالى على مشركي قومه الذين استنكروا بشرية الرسول وأكله الطعام ودخوله الأسواق للتكسب والتجارة.
قال ابن جرير: (فقد علموا أنا ما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا مَنْ إنهم ليأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، كالذي تأكل أنت وتمشي، فليس لهم عليك بما قالوا من ذلك حجة).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾. يشمل التفاوت بين الناس واصطفاء الرسل والأنبياء. قال الحسن: (يقول هذا الأعمى: لو شاء الله لجعلني بصيرًا مثل فلان، ويقول هذا الفقير: لو شاء الله لجعلني غنيًا مثل فلان، ويقول هذا السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحًا مثل فلان).
وقال ابن جريج: (يُمْسِك عن هذا، ويوسِّع على هذا، فيقول: لم يعطني مثل ما أعطى فلانًا، ويبتلي بالوجع كذلك، فيقول: لم يجعلني ربي صحيحًا مثل فلان، في أشباه ذلك من البلاء، ليعلم من يصبر ممن يجزع).
وقال محمد بن إسحاق: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾ قال: يقول الله: لو شئت أن أجعلَ الدنيا مع رسلي فلا يخالَفون، لَفَعلتُ، ولكنّي قد أردت أن أبتليَ العِبادَ بهم، وأبتليهم بهم).
وفي صحيح مسلم من حديث عِياضِ بن حِمارٍ المُجَاشِعيِّ مرفوعًا: [وإن الله نَظَرَ إلى أهل الأرض فَمَقَتَهم، عربَهُم وعَجَمَهُم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وأبْتَلِيَ بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يَغْسلُهُ الماءُ، تَقْرَؤُهُ نائمًا ويقظان] (١).
ويوم خُيِّرَ النبي - ﷺ - بين مقام الملك ومقام العبودية اختار المقام الثاني لشرفه وعلوه.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن أبي زُرعة عن أبي هريرة قال: [جلس جبريل إلى النبي - ﷺ - فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملك ما نزلَ منذ خُلِقَ قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد، أرسلني إليك ربك: