أملكًا أجعلك أم عبدًا رسولًا؟ قال له جبريل: تواضع لربك يا محمد! فقال رسول الله - ﷺ -: لا، بل عبدًا رسولًا] (١).
وقوله: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾. قال ابن جريج: (إن ربك لبصير بمن يجزع، ومن يصبر).
وقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾ الآية. فيه تأويلان متكاملان:
التأويل الأول: قال ابن جريج: (قال كفار قريش: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ﴾ فيخبرونا أن محمدًا رسول الله - ﷺ - أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾).
وهذا الذي طلبوه يشبه ما حكى الله عنهم في سورة الإسراء حيث قال سبحانه: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٠ - ٩٣].
التأويل الثاني: ذكره الحافظ ابن كثير حيث قال: (لولا أنزل علينا الملائكة: أي بالرسالة كما تنزل على الأنبياء).
وهو كقوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ [١٢٤].
فأجابهم الجبار سبحانه بأنهم لن يروا الملائكة في يوم خير لهم، بل في يوم شؤم عليهم، وشر يحيط بهم، وهو ساعة الاحتضار، حين تبشرهم الملائكة بالنار، والغضب من الجبار، كما قال جل وعزّ في سورة الأنعام: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: ٩٣].