فبشرهم بقدوم الملائكة في أحرج ساعات حياتهم، وهم يبسطون أيديهم إليهم بالضرب والإزعاج وتقطيع العصب، أحوج ما يحتاجون إلى من يخفف عنهم سكرات الموت وآلام النزع والفراق، ليرون خلاصة تكذيب المرسلين في هذه الدقائق الحالكة، والملائكة ينهالون عليهم بالضرب والنَّهْرِ والإيلام، كما قال جل ذكره في سورة الأنفال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الأنفال: ٥٠]. وكما قال في سورة محمد: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [محمد: ٢٧].
وقد أخرج الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن عن البراء مرفوعًا: [.. ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول فتقطع معها العروق والعصب.. ] الحديث (١).
فتأبى الأرواح الخروج من أجسادهم فتفرق في البدن، فيضربونه لينتزعونها وقد تقطع مع خروجها العروف والعصب.
وقوله: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾. قال مجاهد: (يعني يوم القيامة). وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾. قال الضحاك: (تقول الملائكة: حرامًا محرمًا أن تكون لكم البشرى). وقال قتادة: (هي كلمة كانت العرب تقولها، كان الرجل إذا نزل به شدة قال: حجرًا، يقول: حرامًا محرّمًا). فأصل الحِجْر في كلام العرب: الحرام.
ومن ثمَّ فللآية تأويلان ممكنان:
التأويل الأول: قول مجاهد: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ﴾ قال: يوم القيامة، ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ قال: عوذًا معاذًا، الملائكة تقوله).
التأويل الثاني: أنه خبرٌ من الله عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة. قال ابن جُريج: (حِجْوًا: عوذًا يستعيذون من الملائكة).
وقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾.
قال مجاهد: (﴿وَقَدِمْنَا﴾: عَمَدنا، ﴿فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ يقول: فجعلناه