يكون معنى "يَرْجون" يخافون. ويجوز أن يكون على بابه ويكون معناه: بل كانوا لا يرجون ثواب الآخرة).
قلت: وقد صَنَّفَ الإمام مسلم في صحيحه في "كتاب صفات المنافقين" بابًا سماه:
"بابُ جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة، وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا". روى فيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إنَّ الله لا يَظْلِمُ مُؤْمنًا حَسَنَةً، يُعْطي بها في الدنيا ويَجْزي بها في الآخرة، وأما الكافِرُ فَيُطْعَمُ بحسناتِ ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكنْ له حسنة يُجْزى بها] (١).
وفي رواية: [إن الكافر إذا عَمِلَ حسنةً أطْعِمَ بها طُعْمَةً من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يَدَّخِرُ له حسناته في الآخرة، وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا في الدنيا على طاعته].
وهذه الرواية مفسِّرة للرواية الأولى، فإن أعمال الخير من الكافر بالآخرة والبعث والحساب إنما يأخذ ثوابها في الدنيا، من زينتها وزخارفها وملذاتها وشهواتها ومناصبها، فإذا قدم يوم القيامة نثر الله أعماله فجعلها هباء منثورًا.
٤١ - ٤٤. قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)﴾.
في هذه الآيات: استهزاء المشركين بالرسول، ودعوتهم قومهم للتمسك بدين الآباء الفاسد، وسوف يعلمون من أضل سبيلًا. فالهوى والشهوات آلهة قوم لا يفقهون ولا يسمعون إن هم إلا كالأنعام بل أضل سبيلًا.
فقوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾.
إنْ نافية. والتقدير: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المشركون ما يتخذونك إلا سخرية