لا يسمع ولا يعقل. قال النسفي: (أم منقطعة، معناه: بل أتحسب، كأن هذه المذمة أشدّ من التي تقدّمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها، وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنًا، ولا إلى تدبره عقلًا).
وقوله: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾.
قال ابن جرير: (يقول: ما هم إلا كالبهائم التي لا تعقل ما يقال لها، ولا تفقه، بل هم من البهائم أضل سبيلًا لأن البهائم تهتدي لمراعيها، وتنقاد لأربابها، وهؤلاء الكفرة لا يطيعون ربهم، ولا يشكرون نعمة من أنعم عليهم، بل يكفرونها، ويعصون من خلقهم وبرأهم).
٤٥ - ٥٠. قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٥٠)﴾.
في هذه الآيات: امتنانُ الله تعالى على عباده بنعمة مدّ الظل وجعل الليل لباسًا والنوم سباتًا والنهار نشورًا. وإرساله تعالى الرياح بشرًا وإنزال الماء من السماء طهورًا. ليحيي به أرضًا يابسة ويسقيه من خلقه أنعامًا وأناسيّ كثيرًا. وتصريفه تعالى مياه المطر في البلاد والفيافي والبحار ليذكر الناس ولكن أكثرهم أبى إلا كفورًا.
قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾. قال ابن عباس: (يقول: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس). وقال مجاهد: (ظل الغداة قبل أن تطلع الشمس). فالمعنى: ألم تر يا محمد كيف مدّ ربك الظل بين صلاة الصبح إلى طلوع الشمس. قال ابن كثير: (من هاهنا شرَعَ تعالى في بيان الأدلة الدالة على وجوده، وقُدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة).
وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾. قال ابن عباس: (يقول: دائمًا). وقال مجاهد: