وقوله: ﴿وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾.
أي: وحسبك -يا محمد- بالحي الذي لا يموت خابرًا بذنوب خلقه، لا تخفى عليه خافية، فهو محص أعمالهم ومجازيهم عليها.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر، عن رسول الله - ﷺ - فيما يرويه عن ربه عز وجل: [يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] (١).
وقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾.
أي: إن توكلك -يا محمد- هو على الله الحي الذي لا يموت، الخالق لهذا الكون الفسيح في ستة أيام، السماوات السبع في اتساعها وارتفاعها، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها.
خرّج الإمام مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله - ﷺ - بيدي فقال: [خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق، في آخرِ ساعةٍ من ساعاتِ الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل] (٢).
وقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾. أي: علا وارتفع، كما أفاد شيخ المفسرين. وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ﴾. أي هو الرحمن. فالرحمن خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو. أو بدل من الضمير في استوى. وقد يكون ﴿الرَّحْمَنُ﴾ مرفوعًا على الابتداء، ويكون الخبر قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾. و ﴿الرَّحْمَنُ﴾ اسم مشتق من الرحمة على وجه المبالغة.
وقوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ فيه تأويلان متقاربان متكاملان:
التأويل الأول: قيل الباء بمعنى "عن"، ذكره بعض أهل اللغة. قال الزجاج:
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٧٨٩) - كتاب صفات المنافقين، باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السلام. وانظر تفصيل هذا البحث: "كيف بدأ الخلق"؟ في كتابي: تحصيل السعادتين على منهج الوحيين ص (١٨ - ٣٥).