عنهم عذاب النار يوم القيامة، إن عذابها كان غرامًا: أي: ملازمًا دائمًا مهلكًا.
قال ابن جُريج: (﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ قال: لا يُفارِقُه). وقال الحسن: (قد علموا أن كلّ غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم). وقال محمد بن كعب: (إن الله سأل الكفار عن نعمه، فلم يردّوها إليه، فأغرمهم، فأدخلهم النار).
قلت: وأصل الغرام في لغة العرب الشَّرُ الدائم والعذاب. قال أبو عبيدة: (﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾: أي هلاكًا ولزامًا لهم).
وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [مَنْ سَأَلَ الله الجَنَّة ثلاثَ مراتٍ قالت الجَنّة: اللهم أدْخِلْه الجَنَّة. ومَنْ استَجار من النار ثلاثَ مرات، قالت النار: اللهم أجِرْه من النار] (١).
وأجمل من ذلك وأروع ما رواه أبو يعلى في مسنده بسند صحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله - ﷺ -: [ما استجار عبدٌ من النار سبعَ مرّات في يوم إلا قالت النار: يا رَبِّ إن عبدك فلانًا قد استجاركَ مني فأجِرْه، ولا يسألُ اللهَ عبدٌ الجنة في يوم سبعَ مرات إلا قالت الجنة: يا ربِّ! إنَّ عبدكَ فلانًا سألني فأدخِلْهُ الجَنَّة] (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾.
المستقر: القرار. والمقام: مكان الإقامة. قال ابن جرير: (كأن معنى الكلام: ساءت جهنم منزلًا ومقامًا). وقال القرطبي: (أي بئس المستقر وبئس المقام. أي إنهم يقولون ذلك عن علم، وإذا قالوه عن علم كانوا أعرف بعظم قدر ما يطلبون، فيكون ذلك أقرب إلى النجح).
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾.
الإسراف: الإنفاق الذي يجاوز الحدّ اللائق والمباح. والإقتار: ما قصر عما أمر الله به من النفقة. والقوام: بين ذلك.
ويبدو أن الإسراف يكون في الحلال، وأما إن كان في الحرام فهو التبذير كما قال
(٢) أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (٤/ ١٤٧٢ - ١٤٧٣)، والضياء في "صفة الجنة" (٣/ ٨٩/ ١)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٥٠٦).