لهاتين العينين اللَّتَين رأتا رسولَ الله - ﷺ -! لَوَدِدْنَا أنا رأينا ما رأيتَ، وشهدنا ما شهدت.
فاستغضَبَ، فجعلتُ أعجَبُ، ما قال إلا خيرًا! ثم أقبل إليه فقال: ما يحمل الرجلَ على أن يتمنى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ الله عنه، لا يَدري لو شَهِدَه كيف كان يكونُ فيه؟ والله لقد حَضَرَ رسولَ الله - ﷺ - أقوامٌ أَكَبَّهُم الله على مَنَاخِرِهم في جَهَنَّم، لم يجيبوه ولم يُصدِّقوه، أولا تحمَدون الله إذا أخرَجَكُم لا تعرفون إلا بَّكم مُصَدِّقين لما جاء به نَبِيُّكُم، قد كُفيتم البلاء بغيركم؟ لقد بعث الله النبي - ﷺ - على أشدَّ حالٍ بعثَ عليها نَبيًّا منِ الأنبياء في فترةٍ من جاهلية، ما يَرونَ أنَّ دينًا أفضلَ من عبادةِ الأوثان. فجاء بِفُرقانٍ فرَقَ به بين الحق والباطل، وفَرَقَ بين الوالدِ ووَلده، إن كان الرجل ليرى والده وولدَهُ، أو أخاه كافرًا، وقد فتح الله قُفْلَ قلبهِ للإيمان، يعلَمُ أنه إن هلكَ دَخَلَ النار، فلا تَقَرُّ عينُه وهو يعلم أن حبيبَه في النار، وإنَّها التي قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾] (١).
وأما قوله: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ - فيه أقوال متكاملة:
١ - قال ابن عباس: (يقول: أئمة يُقتدى بنا). قال إبراهيم النخعي: (لم يطلبوا الرياسة بل بأن يكونوا قدوة في الدين).
٢ - وقال مجاهد: (أئمة نقتدي بمن قبلنا، ونكون أئمة لمن بعدنا).
٣ - وقال آخرون: (﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾: هداة مَهْدِيِّين ودعاةً إلى الخير).
٤ - وقال مكحول: (اجعلنا أئمة في التقوى يقتدي بنا المتقون).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤].