والآيات الأولى من هذه الفقرة تشبه قوله تعالى في سورة طه: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (٣٥) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى﴾ [طه: ٢٥ - ٣٦].
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾. قال مجاهد: (قتل النفس التي قتل منهم). وعن قتادة: (﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ يقول: فأخاف أن يقتلوني قودًا بالنفس التي قتلت منهم). والمقصود: قتله ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾.
أي: كلا لا تخف بطش القوم، فاذهب أنت وهارون، إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي. وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥].
٢ - وقال تعالى: ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦].
قلت: فجاءت صفة السمع والبصر لتفسر المعية. أي إنه سبحانه بذاته فوق عرشه معهما بسمعه وبصره. كما في الآية الأخرى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧]. قال الإمام البغوي الشافعي (١): (أي: إلا هو رابعهم بالعلم).
وقوله تعالى: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.
قال ابن كثير: (وقال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧]، أي: كلٌّ منا رسولٌ من ربك إليك، ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، أي: أطلقهم من إسارِكَ وقبضتك وقهرك وتعذيبك، فإنهم عباد الله المؤمنون، وحِزْبُه المخلصون، وهم معك في العذاب المهين. فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعونُ عما هُنالك بالكلية، ونظر بعين الازدراء والغَمْص فقال: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾).