وقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾.
قال القرطبي: (دعاء بالجنة وبمن يرثها). وقال ابن جرير: (أورثني يا ربّ من منازل مَنْ هلك من أعدائك المشركين بك من الجنة، وأسكني ذلك).
قلت: ومن السنة المطهرة في آفاق هذا المعنى للآية أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم عن ابن عمر، أنَّ رسول الله - ﷺ - قال: [إنَّ أحدكم إذا مات عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغداة والعشي، إنْ كانَ مِن أهل الجنة فَمِنْ أهل الجنة، وإنْ كان من أهل النار فمِنْ أهل النار. يقال: هذا مقعدك حتى يبعثكَ الله إليه يوم القيامة] (١).
وفي رواية: [ثم يقال: هذا مَقْعَدكَ الذي تُبْعَثُ إليه يوم القيامة].
الحديث الثاني: روى مسلم كذلك عن أنس - في حديث سؤال الملكين - قال نبي الله - ﷺ -: [فأما المؤمن فيقول: أشهدُ أنه عبدُ الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدِك مِنَ النار، قد أبدلك الله به مَقْعَدًا من الجنة. قال نبي الله - ﷺ -: فيراهُما جميعًا] (٢).
قال قتادة: (وذُكِرَ لنا أنَّهُ يُفْسَحُ له في قبره سبعون ذِراعًا، وَيُمْلأُ عليه خَضِرًا إلى يوم يُبعثون).
الحديث الثالث: أخرج ابن عساكر، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" من طرق عن أبي موسى عن النبي - ﷺ - قال: [إذا كان يومُ القيامة بُعِثَ إلى كُلِّ مُؤْمِنٍ بِمَلَكٍ مَعَهُ كافِرٌ، فيقول المَلكُ للمؤمِن: يا مؤمن! هاكَ هذا الكافر، فهذا فِداؤك من النار] (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾.
أي: واصفح عن شرك أبي بك وتجاوز عنه، إنه كان ممن ضَلّ عن سبيل الهدى

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٦٦) - كتاب الجنة ونعيمها، من حديث عبد الله بن عمر.
(٢) حديث صحيح - أخرجه مسلم (٢٨٧٠) - كتاب الجنة ونعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه ابن عساكر (١٨/ ٢/١٤٣)، وبنحوه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (٢/ ٨٠)، وانظر مسند أحمد (٤/ ٣٩١)، وصحيح مسلم (٨/ ١٠٤).


الصفحة التالية
Icon