وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.
قال النسفي: (﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ﴾ نسبًا لا دينًا ﴿نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ خالق الأنام، فتتركوا عبادة الأصنام).
قلت: وقد ضل بعض المغرورين في هذا الزمان من المتعالمين حين استدلوا بهذه الآية على جواز الإشارة إلى أهل الكتاب بأنهم إخوانهم ويقصدون الأخوة في الدين، مع أن الآية تدل على أخوة المجانسة كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤]، أو أن نوحًا ابن أبيهم وهي أخوة نسب لا أخوة دين، كقول العرب: يا أخا بني عمرو، يعنون: يا واحدًا منهم.
وقوله تعالى: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
إن نوحًا - ﷺ - هو أول رسول بُعث إلى أهل الأرض. كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - حديث الشفاعة -: [فيأتون نوحًا - ﷺ - فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسمّاك الله عبدًا شكورًا فاشفع لنا إلى ربك] الحديث (١). فقال لقومه: إني لكم رسول ﴿أَمِينٌ﴾ أي: صادق في إبلاغي لكم رسالة ربي أن تعبدوه وحده لا شريك له، وتستتروا بطاعته من عقابه. وتطيعوني فيما آمركم به من الإيمان.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾. أي: وما لي طمع في أموالكم وإنما أرجو جزاء دعوتي إليكم عند الله رب العالمين. ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: استتروا بطاعته وتعظيم أمره، وأطيعوني في نصحي لكم.
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾.
قال ابن جرير: (قالوا: أنؤمن لك يا نوح، ونقرّ بتصديقك فيما تدعونا إليه، وإنما اتبعك منا الأرذلون دون ذوي الشرف وأهل البيوتات).
قلت: وهذا شأن الملأ الكافر على مر الزمان، فإنهم يحتجون على رسلهم بالكبر وحب الرياسة والشرف ويترفعون عن الجلوس مع ضعفاء المؤمنين. لقد اعتادوا الظلم والعلو والبغي في الأرض بغير الحق. وقد واجه مشركو قريش النبي - ﷺ - بهذه الصيغة كما جاء في السنة الصحيحة في أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن سعد - رضي الله عنه - قال: [فيَّ