﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾). فالمراد المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة.
وعن ابن عباس: (قوله: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ يقول: بكل شَرَف). أو قال: (بكل طريق). قال: (الآية: علم). قال: (﴿تَعْبَثُونَ﴾: تلعبون).
وعن مجاهد: (الريع: الثنية الصغيرة. أو قال: فجّ وواد. وقال: بين جبلين). وقال أيضًا: (﴿بِكُلِّ رِيعٍ﴾: شرف ومنظر. ﴿آيَةً﴾ بنيان). وقال النسفي: (﴿آيَةً﴾ برج حمام أو بناء يكون لارتفاعه كالعلامة يسخرون بمن مرّ بهم).
قلت: - والمقصود - قال هود لقومه: أتبنون على كل مرتفع وشرف من الأرض بناء محكمًا باهرًا هائلًا ليكون مَعْلمًا مشهورًا تفعلون ذلك عبثًا ولهوًا وكبرًا لا لحاجة لكم، وإنما بقصد الزينة والتفاخر وإظهار القوة وتضييع الأموال والأوقات فيما لا جدوى منه.
وقوله تعالى: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾. أي: تتخذون القصور والبنيان المشيدة كأنكم تخلدون.
قال مجاهد: (﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ﴾: قصور مشيدة، وبنيان مخلدة). أو قال: (قصور مشيدة وبنيان). أو قال: (حصون وقصور). وقال قتادة: (هي مآخذ الماء). قال الجوهري: (المصنَعة كالحوض يجتمع فيها ماء المطر، وكذلك المصنُعة بضم النون. والمصانع الحصون).
قال ابن جرير: (المصانع جمع مصنعة، والعرب تسمي كل بناء مصنعة، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورًا وحصونًا مشيدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء).
قال القاسمي: ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أي: راجين الخلود في الدنيا إشارة إلى أن عملهم ذلك، لقصر نظرهم على الدنيا والإعجاب بالآثار، والتباهي بالمشيدات، والغفلة عن أعمال المجدّين البصيرين بالعواقب، الصالحين المصلحين).
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبي، حدثنا الحَكَمُ بن موسى، حدثنا الوليد، حدثنا ابن عَجْلان، حدثني عَونُ بن عبد الله بن عُتْبةَ، أن أبا الدرداء - رضي الله عنه - لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البُنيان ونَصْبِ الشَّجر قام في مسجدهم فنادى: (يا أهل دمشقَ! فاجتمعوا إليه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ألا تَستحيُون! ألا تَستحيون! ألا تَسْتَحيون! تجمعون ما لا تأكلون، وتبنُون ما لا تسكُنون، وتأملُون ما لا تُدرِكون! قد كانت قبلكم قرونٌ، يجمعون فَيُوعون، ويثنون فيوثِقون، ويأمُلونَ فيُطيلون، فأصبح أملُهم غرورًا، وأصبح جمعُهم بورًا،